نُتَابِعُ، في قلق بالغ، التحول الذي يَعْرِفُه الموقف الرَّسْمي الأمريكي من قضية القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل والسعي إلى نَقْل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وذلك في تراجع ملموس وواضح عن الدور الذي ظلت تنهض به الإدارة الأمريكية، حتى الآن، كأحد رعاة عملية السلام في الشرق الأوسط.
ولقد جاءت رسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من موقع جلالته كرئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة تمثل أكثر من مليار مواطن، لتُعبِّر عن انشغال جلالة الملك العميق، وانشغال المملكة المغربية، وكذا قلق كافة مكونات الأمة الإسلامية حول ما راج من أخبار عن هذه النية أو الإرادة في تغيير النهج الأمريكي والانحياز الكامل في الموقف من القضية الفلسطينية، وبالخصوص قضية مدينة القدس التي تندرج في صلب قضايا الوضع النهائي، وتتميز في القرارات الدولية وضمنها خصوصا قرارات مجلس الأمن بوضع اعتباري قانوني وسياسي مخصوص لا يمكن، منطقيا وعقلانيًا وأخلاقيًا، المساس به.
ولقد عَبَّر صاحب الجلالة الملك محمد السادس في رسالته إلى الرئيس ترامب عما تجيشُ به صدور المسلمين جميعا من قلقٍ وغَضَب واستغراب. كما نَبَّه جلالتُه إلى أن منطقة الشرق الأوسط ليست في حاجة إلى ما قد يُفَاقِم من وقع توتراتها وأزماتها المتواترة وما يُحْدِقُ بها من مخاطر وانزلاقات، وهو ما يساعـــد -بدون أدنى شك- على تأجيج مشاعر الخيبة والغضب والإحساس بالغُبْن والظلم وعدم الإنصاف وانعدام الأمل، وذلك ما يوفِّر الحَاضِنَةَ المثلى لنزعات التطرف والإرهاب وردود الفعل المُتَشَنِّجة.
لقد تَحَمَّل صاحب الجلالة مسؤوليته الأَخْلاَقية والسياسية والرمزية كرئيسٍ لِلَجنةِ القدس، داخل إطار إسلامي دولي له قيمته الدبلوماسية والاعتبارية، وكرئيس دولة بارز يَحْظَى بمكانةٍ نوعيةٍ ضمن أشقائه قادة العالم الإسلامي، ولكلمته وَقْعٌ مسموع وصِيتٌ ذو مصداقية.
والأمل أن تتضافر جهود العقلاء والحكماء والخيِّرِين من قادة الدول والحكومات والبرلمانات والمنظمات البرلمانية الدولية والإقليمية والجهوية على الحيلولة دون تدهور الوضع في الشرق الأوسط في إِثْرِ هَكَذا قراراتٍ غير محسوبة العواقب، والسعي الجماعي في إطار الشرعية الدولية إلى ما يضمن عدم المساس بوضْع مدينة القدس وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في استقلاله وبناء دولته الوطنية فوق أرضه داخل حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذه العاصمة بكل ما تمثل من خصوصيات دينية وحضارية وثقافية عريقة، وكذا برمزيتها السياسية كأرض للتعايش والتَّسَاكُن والتسامح بين الديانات التوحيدية الثلاث كما عبَّر عن ذلك جلالة الملك محمد السادس بحكمته المعهودة وثقته في أن ينتصر العقل وروح الحوار والأمل في المستقبل.