تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

محمد يتيم : هكذا نرى الاصلاح .. وهكذا ينبغي أن تقيم تجربة العدالة والتنمية

عشر مداخل لفهم منهج الحزب وتجربته السياسية

الحلقة الاولى 

علمنا المناطقة أن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره، وتُعلمنا مناهج الاستدلال الحديثة خاصة تلك التي تعتمد المنهج الرياضي الفرضي الاستنباطي أن الحكم على النتائج ينبغي أن يكون على أساس المقدمات التي وضعها صاحب الاستدلال، وهذا المنهج يصلح في الحكم على أي منهج في العمل السياسي وأي مقاربة للاصلاح. فالحكم على أداء حزب معين أو حصيلته ينبغي اعتبار منطلقاته أو الأوليات التي يستند عليها لا الحكم عليه بمنطلقات وأوليات منهج آخر في التصور وفي الممارسة السياسية.

بعض المنتقدين لحزب العدالة والتنمية ومنهجه في الاصلاح ومقاربته في العمل السياسي يحكمون عليه انطلاقا من منطلقات ومقدمات أخرى، من قبيل المنطلقات التي تعتمدها حركات شمولية ترفض العمل من داخل المؤسسات، أو من منطق رؤية ثورية لا ترى الاصلاح ممكنا إلا من خلال هدم أسس النظام السياسي القائم، أو على الأقل من منظور أن الحاجة ماسة الى مسح الطاولة وإعادة الاتفاق من جديد على " كلمة سواء " أو ما شابه من قبيل  جمعية تأسيسية التي ترجع الى مناقشة كل شيء وبناء كل شيء من جديد بما في ذلك الأسس التي تقوم عليها الدولة !! 

وحيث إن المنطق يقتضي من كل ملاحظ منصف أو من يريد تقييم عمل حزب العدالة والتنمية أن يراعي المنطلقات المنهجية الكبرى التي تحكم عمل الحزب وتؤطره، وأنه بدون ذلك يفتقد التقييم لبعده العلمي والموضوعي، فإننا أولا نبسط أهم مقومات رؤيتنا للاصلاح وتصورنا لها كي يقع تقييم أدائنا على أساسها لا على أساس مقدمات أخرى لا نسلم لها ولا نرى أنه صلحت في الماضي وفي الحاضر ولن تصلح في المستقبل مدخلا للاصلاح، وهي منطلقات نلخصها في عشرة كما يلي :   

1- حزب الاصلاح والتنميةً حزب إصلاحي وليس حزبا ثوريا، يؤمن أن التغيير والإصلاح يتمان بوسائل حضارية وسلمية، وأن طبيعة المجتمع المغربي وتركيبته تتنافيان مع التحولات الفجائية والقطيعات الحدية، وأن الاصلاح ينبغي أن يتم في نطاق الاستقرار وأن الاصلاح المتراكم يعزز الاستقرار ويوطده، وأن البناء الديمقراطي المتواصل  وتعزيز دولة المؤسسات والنضال المتواصل من أجل ذلك، مدخل للتنمية العدالة الاجتماعية والطريق إلى تحقيق الكرامة الانسانية.  

2- إن الاصلاح  يتحقق في المغرب في نطاق الملكية القائمة على أساس إمارة المؤمنين اعتبارا لخصوصيتها والتحامها التاريخي مع المجتمع وفي التعاون وعدم المنازعة والصراع معها اعتبارا لشرعيتها الدينية والتاريخية والاجتماعية وكونها رمزا للاستقرار ولوحدة المغرب، وإن التنازع فوت على المغرب ثلاث عقود كان من الممكن استثمارها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإن أفق الاصلاح والتطوير المؤسساتي ضمن هذا الإطار ممكن وقائم دوما !  

3- الشراكة والتعاون أساس كل إصلاح، حيث إن الاصلاح اليوم يحتاج تظافر كل الإرادات الحسنة، وكلما كان نتاج وفاق وطني أوسع كان أقرب إلى الاعتماد وإلى التنزيل، وإنه في المغرب يتعذر استفراد مكون واحد بالإصلاح.  

4- مراعاة  سنة التدرج والتراكم في الاصلاح واعتبار أن الزمن معامل أساسي في الاصلاح، وأن سَنَن الله في المجتمعات والتجارب القريبة والبعيدة تؤكد أن الاصلاح لا يتم بين عشية وضحاها، وأن البناء عكس الهدم يحتاج الى عمل هادئ متواصل، وأن ما يحل فجأة هو الكوارث والصواعق، أما الكيانات الحية سواء كانت بيولوجية أو اجتماعية فإنها تخضع لمنطق النمو وسنة " الأطوار" 

5-الدور الأساسي الذي يتعين على المواطن ومؤسسات المجتمع المدني الاضطلاع به في إسناد الاصلاح والدفاع عنه، وأن جانبا أساسيا من الاصلاح يستند على الاصلاح الثقافي والتربوي والعمل على اعادة بناء الانسان وتحرير مبادرته وطاقاته وتحميله المسؤولية، و"ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "  

6- إن مجال العمل السياسي هو مجال تدبير للشأن العام وإجابة على الأسئلة المرتبطة بتحسين حياة الناس الفردية والجماعية من خلال برامج اقتصادية واجتماعية، وإن هذا المجال مجال اجتهادات ومقاربات، وإنه يدخل في مجال السياسة الشرعية والمصالح المرسلة المتغيرة بتغير الزمان والمكان، وليس من مجاله التدخل في أذواق الناس وقناعاتهم وأن حرية الأفراد مكفولة لا يحدها إلا القانون ومقتضيات المحافظة على النظام العام. 

7 - إن الحزب انطلاقا من ذلك حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية أي أنه في ممارسته للعمل السياسي بذلك المعنى يستلهم المرجعية الإسلامية في أحكامها ومقاصدها القائمة في العموم على العدل وتكريم الانسان والتنمية في أبعادها المتكاملة.

8 - إن الاصلاح لا يتحقق إلا من خلال مروره من حيث مر الفساد، وإلا من خلال ملازمته والتدافع معه، وإلا من خلال ملء المساحات التي يشغلها من خلال تقديم نماذج أحسن وبدائل أفضل على جميع المستويات، وأن المخالطة والمشاركة أولى من المقاطعة والرفض المؤدي للانعزال والتهميش.

9- إن القوة الضاربة للحزب تكمن في قوته الأخلاقية، ونظافة أيدي أبنائه وتنزههم عن المال العام وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمصلحة الوطنية على المصلحة العليا، وأنهم ما داموا كذلك فانه لن يضرهم كيد المتحكمين أو حملات المغرضين. وإن الحزب قد يقصر في الإنجاز وقد لا يحقق كل الطموحات التي يعلن عنها في برامجه، لكنه لا يمكن أن يتخذ من السياسية مطية للمصالح الخاصة أو المصالح الحزبية الضيقة. 

10- إن القوة الضاربة الثانية للحزب هو تماسكه الداخلي واحترامه لشرعية المؤسسات وتقديم توجهاتها وقراراتها على التوجهات والأراء والاجتهادات الفردية، وتعزيز نموذجه الديمقراطي الداخلي، وإن هاتين الأخيرتين تعتبران إضافته النوعية للحياة السياسية، وأنهما تجعلان منه قاطرة ترفع الحياة السياسية والحزبية نحو الأعلى، ومن ثم تعيد الاعتبار لنبل السياسة 

 والنتيجة هي أن الحكم على الحزب وتجربته كي يكون موضوعيا ينبغي أن يستند إذن  على  تلك المنطلقات، وأن تتم محاكمته  الى هذا المنهج ، وأن يثبت ويبرهن بأن غيره من المناهج التي اعتمدت على منطلقات أخرى، قد حققت في واقعنا المغربي استنادا الى الاستقراء التاريخي، أفضل مما حقق هذا المنهج بعناصره تلك، أو أن يحاكم المنهج نفسه ويثبت أن غيره أولى منه في واقعنا المغربي.